في موسم الحج أكثر من مليوني حاج يقفون اليوم السبت على صعيد عرفات، محاطين بمنظومة متكاملة من الخدمات التي تقدمها الجهات المعنية في السعودية.
موسم الحج أكثر من 2 مليون حاج يقفون بعرفة لأداء ركن الحج الأعظم |
يتوافد الحجاج بكثرة إلى مسجد نَمِرة في مشعر عرفات لأداء صلاتي الظهر والعصر جمعاً وقصراً، عقب استماعهم إلى خطبة عرفة التي سيلقيها الشيخ ماهر المعيقلي، إمام وخطيب المسجد الحرام. سيتم ترجمة الخطبة إلى عشرين لغة، مما يبرز رسالة السعودية الدينية والإنسانية، ويعكس ريادتها في التسامح والوسطية والاعتدال ونشر السلام.
مع غروب شمس اليوم الثامن من ذي الحجة، بدأ الحجاج بالتوجه إلى مشعر عرفات استعداداً للوقوف عليه اليوم، والذي يعد الركن الأعظم في الحج. عملية التصعيد تتم عبر قطار المشاعر الذي يستوعب 72 ألف راكب في الساعة، بالإضافة إلى 12 ألف حافلة تعمل بنظام التردد لنقل الحجاج عبر مسارات منظمة.
في يوم الوقفة الكبرى، التاسع من ذي الحجة، يؤدّي الحجاج صلاتي الظهر والعصر جمعاً وقصراً، ثم ينفرون إلى مزدلفة للمبيت هناك، قبل الانتقال إلى منى لاستكمال مناسك الحج.
تاريخ ظهور مناسك الحج في الإسلام
تاريخ مناسك الحج يعود إلى زمن النبي إبراهيم عليه السلام، حيث أمره الله ببناء الكعبة ليكون بيتاً يُعبد فيه الله، ودعا إبراهيم الناس للحج، فكان دعاؤه بداية لموسم الحج. وفي الإسلام، أعاد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هذه الشعيرة إلى أصولها، بعد أن كانت قد تغيّرت واختلطت بممارسات الجاهلية.
تشريع الحج في الإسلام
أتى تشريع الحج بعد الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة، وكان في السنة التاسعة للهجرة حيث أُنزلت آية فرض الحج:
"ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا"
(آل عمران: 97)
لكن لم يؤدّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم الحج إلا في السنة العاشرة للهجرة في "حجة الوداع". وخلال هذه الحجة، بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم تفاصيل المناسك وحدد مناسك الحج كما أُمر بها. أدت هذه الحجة إلى تنظيم الحج في الإسلام وضبط شعائره، مثل الوقوف بعرفة، والطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمرات، وغيرها من المناسك التي يتبعها المسلمون حتى اليوم.
حجة الوداع وأهميتها
في حجة الوداع، ألقى النبي خطبته الشهيرة التي أكد فيها على مبادئ العدل والمساواة وأهمية التوحيد، ووضح فيها أحكام الشريعة وعلاقة المسلمين ببعضهم البعض، وقد أكمل الله تشريعات الإسلام في هذه الحجة حيث نزل قوله تعالى:
"اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا"
(المائدة: 3)
بعد هذه الحجة، انتشرت مناسك الحج في الأمة الإسلامية، وأصبح الحج ركنًا من أركان الإسلام الخمسة، وفرض على كل مسلم قادر أن يؤديه مرة في حياته.
الحج يمثل رمزية كبيرة في الإسلام؛ فهو ليس مجرد مناسك بل هو اجتماع سنوي للأمة الإسلامية حيث يتساوى الناس بغض النظر عن جنسهم أو لغتهم أو عرقهم، مما يرمز لوحدة المسلمين.
اقرأ أيضاً:
مناسك الحج المقدسة
يعتبر موسم الحج من أعظم المواسم الدينية في الإسلام، حيث يجتمع المسلمون من كل حدب وصوب في مكة المكرمة لأداء مناسك الحج، أحد أركان الإسلام الخمسة. ويبلغ الحج ذروته في يوم عرفة، الموافق للتاسع من شهر ذي الحجة، حيث يتجمع الحجاج على جبل عرفات لأداء الركن الأعظم من الحج.
يوم عرفة: ذروة مناسك الحج
يقف الحجاج في هذا اليوم على صعيد عرفات، الذي يقع على بُعد حوالي 20 كيلومتراً شرق مكة، من شروق الشمس حتى غروبها. هذا اليوم له مكانة خاصة؛ فقد ورد في الحديث النبوي الشريف أن "الحج عرفة"، مما يوضح أهمية هذا الموقف الذي لا يصح الحج بدونه. وفي هذا اليوم، يقف الحجاج في خشوع ودعاء، يطلبون من الله المغفرة والتوبة، ويجسدون الوحدة الإسلامية بتجردهم من كافة المظاهر الدنيوية وارتداءهم ملابس الإحرام البيضاء، مما يجعلهم في مشهد روحاني مهيب.
الإجراءات التنظيمية والأمنية
في موسم حج يستقبل أكثر من 2 مليون حاج، تقوم المملكة العربية السعودية بتجهيزات ضخمة لضمان سير الشعائر بيسر وسلامة. يتم تجهيز وسائل النقل، وتأمين مناطق إقامة الحجاج، إضافة إلى تقديم خدمات صحية متقدمة للتعامل مع أي حالات طارئة. ولتعزيز الراحة، تنظم السلطات السعودية حملات توعوية وبرامج إرشادية بلغات متعددة، لضمان فهم الحجاج لمناسكهم واتباعهم الإرشادات الصحية والأمنية.
أهمية الركن الأعظم في وجدان المسلمين
يقف يوم عرفة كرمز للتوبة والخلاص، إذ أن الوقوف على عرفات هو من أهم اللحظات التي يشعر فيها المسلمون بالقرب من الله. كما يعتبر يوم عرفة فرصة ذهبية لكل مسلم، سواء كان حاجاً أم غير حاج، للصيام والدعاء. وقد ورد في الحديث أن "صيام يوم عرفة يكفر سنتين، سنة ماضية وسنة مقبلة".
مساحة مشعر عرفات تبلغ حوالي 33 كيلومتراً مربعاً، ويجتمع فيها أكثر من مليوني حاج. على مر العقود، أثبتت حكومة خادم الحرمين الشريفين قدرتها على استيعاب هذه الأعداد الكبيرة، مقدمة لهم كافة وسائل الراحة والأمن دون شعورهم بالمشقة.
أرض مشعر عرفات تتميز باستوائها، وتحيط بها سلسلة من الجبال، وفي شمالها يقع جبل الرحمة، الذي يتكون من أكمة صغيرة مستوية السطح. يبلغ طوله 300 متر، ومحيطه 640 متراً، ويرتفع عن الأرض المحيطة به بمقدار 65 متراً. يوجد على قمة الجبل شاخص يبلغ ارتفاعه 7 أمتار. يُعرف الجبل بأسماء متعددة، منها جبل الإل، جبل التوبة، جبل الدعاء، والنابت، وجبل القرين.
يحرص الحجاج على الوقوف على جبل الرحمة تأسياً بالنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي ألقى منه خطبة الوداع. يجتهد حجاج بيت الله الحرام في الدعاء والتضرع لله سبحانه وتعالى طمعاً في الرحمة والمغفرة.
في موسم الحج لعام 2024، بلغ إجمالي عدد الحجاج 1,833,164 حاجاً، جاء منهم 87.9% من الخارج و12.1% من داخل السعودية. غالبية الحجاج الأجانب (96%) وصلوا عن طريق الرحلات الجوية، في حين اختار حوالي 3.7% منهم التنقل براً، و0.3% بحراً. كما قدمت السعودية خدمات كبيرة للحجاج شملت مبادرة "طريق مكة" التي سهلت دخول أكثر من 322,000 حاج من عدة دول، حيث أُنجزت إجراءات الدخول في بلادهم وتم توفير النقل المباشر إلى مساكنهم في مكة والمدينة.
هذا العام، واجه الحجاج حرارة شديدة تجاوزت 46 درجة مئوية، مما أدى لوفاة العديد من الحجاج نتيجة الإجهاد الحراري والمشكلات الصحية، حيث سجلت وفيات في صفوف الحجاج من عدة دول، أبرزها مصر وإندونيسيا والهند.
خاتمة
يتجدد موسم الحج سنوياً ليجمع المسلمين على عبادة خالصة لله، في تعبير حي عن روح الإسلام وتأكيد على الأخوة الإسلامية والوحدة بين الشعوب. ويظل يوم عرفة الحدث الأبرز في رحلة الحج، يومًا يتطهر فيه المسلمون من ذنوبهم، فيتحد الجميع على اختلاف جنسياتهم وأعراقهم في موقف واحد، مما يعكس جوهر الدين الإسلامي في السلام والتقوى.